العالم يشهد مرة أخرى على نفس الخطأ الذي حدث في أولمبياد برلين عام 1936

بقلم/ عبد الحكيم إدريس

مضت الألعاب الأولمبية منذ 86 عاماً، حيث استضافتها ألمانيا تحت الحكم النازي،  مما أدى في النهاية إلى إضفاء الشرعية على الرايخ الثالث.

ويظل السماح بإقامة منافسات عام 1936 في برلين علامة سوداء على تاريخ اللجنة الأولمبية. واليوم تكرر اللجنة الأولمبية نفس الخطأ أمام العالم. وقد تغاضت اللجنة الطرف عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها الصين في تركستان الشرقية بالسماح لبكين بتنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وقد قررت دول مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، وأبرزها الولايات المتحدة، فرض مقاطعة دبلوماسية على الأولمبياد التي ستبدأ في الأسبوع الأول من شهر فبراير. كما أن عدم إقدام أي دولة إسلامية لدعم هذه المقاطعة هو أمر مخزِ.

تعود أصول الألعاب الأولمبية إلى اليونان القديمة، لكنها عُقدت لأول مرة عام 1896 بشكلها الحالي. كان تاريخ بدء الألعاب الأولمبية الشتوية عام 1924. يقام كلا الحدثين المهمين كل أربع سنوات في دول مختلفة. الغرض الرئيسي من إقامة الألعاب الأولمبية هو المساهمة في خلق عالم أفضل وأكثر سلاماً من خلال توعية الشباب بروح التفاهم والصداقة المتبادلتين. عندما ننظر إلى تاريخ الألعاب الأولمبية، نجد أن أكبر نقطة كسر لهذا النموذج هي أولمبياد برلين، التي عُقدت في عام 1936، حيث أقيمت قبل الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة، وقد أعطت شرعية كبيرة للحكومة النازية التي وصلت إلى السلطة في ألمانيا. وتتزامن السياسات التي اتبعها النازيون قبل الأولمبياد مع السياسات التي تتبعها الصين اليوم. لقد نفذ النظام الشيوعي الصيني سياسات مماثلة خلال الألعاب الأولمبية عام 2008؛ وقد تجاهل العالم انتهاكات حقوق الإنسان للأسف.

وتظهر المعلومات التي شاركتها منظمة برلين بكين أن اللجنة الأولمبية ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته في عام 1936. وفي عام 1933، أُتيحت الفرصة لبرلين لاستضافة الألعاب الأولمبية التي ستقام بعد ذلك بخمس سنوات. أرسل هتلر جميع معارضيه السياسيين بعد ذلك بعامين إلى معسكرات الاعتقال بحجة “الأمن القومي”. قبل بدء الألعاب الأولمبية، جمع النازيون حوالي 800 روماني من شوارع ألمانيا، وأرسلوهم إلى السجون. بدأ النازيون بالفعل عملية تدمير الكتابات والمنشورات اليهودية. ودعا المجتمع الدولي اللجنة الأولمبية العالمية وطالب بنقل الألعاب إلى دولة أخرى. قام مسؤولو اللجنة في تلك الفترة بتفتيش سريع، ولم يتخلوا عن قرارهم بإقامة الألعاب الأولمبية في برلين. والأسوأ هو موقف الصحف في تلك الفترة. حيث نُشر مقال في صحيفة نيويورك تايمز يشير إلى أن النازيين أصبحوا “أكثر إنسانية” تحت تأثير ما يسمى بالروح الأولمبية. وكنتيجة غير مباشرة لهذه اللامسؤولية المشينة للجنة الأولمبية، قُتل ملايين اليهود في الهولوكوست. وبعد هذا الحدث المؤلم، وعدنا العالم بأن الإبادة الجماعية أصبحت من الماضي من خلال استخدام شعار “لن تحدث مرة أخرى”.

ومع ذلك، فمن الواضح تماماً في الوقت الحاضر، أن الأوروبيين ودولاً أخرى قد نسوا وعودهم خلال دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008، التي أقيمت في الصين بعد 72 عاماً من دورة الألعاب الأولمبية لعام 1936، ورأى النظام الشيوعي أن المسلمين الأويغور “تهديد للأمن القومي” ووضعهم في السجون. ولكن لسوء الحظ، لم يتحدث المجتمع الدولي بصراحة ضد هذا العمل اللاإنساني. والآن، تمت الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في الصين. على الرغم من المقاطعة الدبلوماسية التي بدأتها بعض الدول، ولم تتخذ اللجنة أي خطوات لنقل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.

وحتى الآن، قررت أمريكا وبريطانيا العظمى وكندا وأستراليا واليابان فقط مقاطعة دبلوماسية بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الصين ضد الأويغور. ولن تشارك وفود رسمية من هذه الدول في حفل الافتتاح. ومع ذلك، سيظل رياضيين الدول المذكورة أعلاه يشاركون في المسابقات. إن عدم إرسال وفود رسمية قرار مناسب لكنه غير كاف. كما يجب على الرياضيين عدم المشاركة في الأولمبياد، بحيث تُحاسب الصين على جرائمها ضد الإنسانية، وخاصة الإبادة الجماعية للأويغور. السؤال الذي يجب طرحه على الرياضيين المشاركين في الأولمبياد والشركات التي الراعية لهم هو: “هل هذه الألعاب أهم من إنسانيتنا؟” لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال واثقاً بنعم. ومع ذلك، من الناحية العملية، من الواضح أن هذا هو الجواب الذي اختارته الشركات الراعية على وجه الخصوص. المؤرخون الذين سيكتبون عن هذه الأيام في المستقبل سيساوون بين هذه الشركات والشركات الألمانية التي دعمت النازيين. وكما لا يستطيع هوغو بوس التخلص من عار دعمه للنازيين الذين نفذوا الهولوكوست، لن تتمكن شركات مثل فولكس فاجن وإير بي إن بي من غض الطرف عن إبادة الأويغور.

لقد نسي السياسيون الأوروبيون حقيقة تعرض ملايين اليهود للإبادة الجماعية في أوروبا قبل 80 عاماً. لقد تم تجاهل احترام حقوق الإنسان، وهو أحد القيم المؤسسة للاتحاد الأوروبي، عندما يكون الموضوع حول الصين. كانت هناك شركات ألمانية دعمت النازيين للحظة من التاريخ. واليوم، هناك شركات عملاقة تتعاون مع نظام بكين. ولسوء الحظ، أن ما يسمى بنهج “التحول من خلال الاقتصاد” في أوروبا بقيادة ألمانيا الذي اتبعه المستشار الألماني السابق هيلموت شميدت يُطبق على الصين. وهذا يعني أن أوروبا متواطئة بشكل غير مباشر في جريمة الإبادة الجماعية.

النقطة التي يجب التأكيد عليها هنا هي صمت العالم الإسلامي في مواجهة المقاطعة الدبلوماسية للدول الغربية. أولئك الذين يتعرضون للإبادة الجماعية من قبل النظام الشيوعي الصيني هم مسلمون من الأويغور. ترك العالم الإسلامي إخوانه وأخواته وحدهم في مصيرهم المؤلم للأسف. إن منظمة التعاون الإسلامي (OIC) – وهي الهيئة الدولية الرائدة في العالم الإسلامي – لم تتخذ أي خطوات لم تمر دون أن يلاحظها أحد من قبل نشطاء حقوق الإنسان. إن عدم إهتمام منظمة التعاون الإسلامي بالدول الأعضاء فيها يدل على مدى مديونية هذه الدول للصين من الناحية الإقتصادية والدبلوماسية. واليوم، لا توجد مقاطعة ضد الصين. على العكس من ذلك ، يتم الإشادة بحكومة بكين في كل فرصة. وتنشر الصحف في الدول ذات الأغلبية المسلمة قصصاً حول مدى نجاح الصين في الحكم بشكل دوري. في تلك الدول، هناك منظمات غير حكومية وجمعيات حقوقية تدعم المسلمين الأويغور. لكن لا يمكن سماع أصواتهم بشكل كافٍ. على الرغم من أن النخب الحاكمة تريد الحفاظ على علاقاتها مع الصين دافئة، إلا أن تركستان الشرقية هي جرح ينزف في قلوب الشعوب الإسلامية.

ولا ينبغي أن ننسى أن محكمة الأويغور، التي عقدت في المملكة المتحدة في ديسمبر 2021، خلصت إلى أن النظام الشيوعي الصيني يرتكب إبادة جماعية ضد الأويغور. وفي نص الحكم الذي أعلنه رئيس المحكمة السير جيفري نيس، تم توثيق أن حكومة بكين نفذت سياسة التعقيم القسري لإبادة جيل الأويغور. شدد نيس على أن الصين اتبعت سياسة متعمدة ومنهجية وقاسية لتقليص السكان على المدى الطويل من الأويغور ومجتمعات الأقليات الأخرى. وأشارت شهادات الشهود وتقارير الخبراء والأشكال الأخرى من الأدلة القاطعة خلال جلسات المحكمة إلى حدوث إبادة جماعية جديدة أمام أعين العالم اليوم. وحتى إذا تغاضت الشركات الغربية عن الصين، أو فشلت الدول الإسلامية في التحدث، أو قامت الدول الغربية بتفضيل بكين، فإنها لن تتمكن من القضاء على هذه الحقيقة.

أولئك الذين يشاركون اليوم بشكل مباشر أو غير مباشر في الإبادة الجماعية في الصين سوف يخضعون للمحاسبة أمام التاريخ.

ترجمة/ رضوى عادل

https://turkistantimes.com/ar/news-15715.html